خطبة بعنوان: “الخوف من الله وأثره في استقامة الفرد والمجتمع بين الواقع والمأمول”، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 20 من جمادي الأولى 1438هـ – 17 فبراير 2017م
خطبة بعنوان: “الخوف من الله وأثره في استقامة الفرد والمجتمع بين الواقع والمأمول”، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 20 من جمادي الأولى 1438هـ – 17 فبراير 2017م.
لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
عناصر الخطبة:
العنصر الأول: منزلة الخوف من الله
العنصر الثاني: الخوف من الله قصص ومواقف وعبر
العنصر الثالث: وسائل استشعار الخوف من الله
العنصر الرابع: ثمرات الخوف من الله
العنصر الخامس: الخوف من الله في حياتنا المعاصرة بيت الواقع والمأمول
المقدمة: أما بعد:
العنصر الأول: منزلة الخوف من الله
عباد الله: للخوف من الله منزلة عليا في الإسلام؛ إذ أن حال العبد لا يخلو من حالين هما: الخوف والرجاء؛ فكما أن الإيمان من حيث النعم والنقم ينقسم إلى قسمين: صبرٌ وشكرٌ؛ فكذلك يجب على العبد أن يجمع – في عبادته لربه – بين الخوف والرجاء؛ فهو يحب ربه ويرجوه، ويخافه ويخشاه ولا يعصيه، وهما جناحان لا غنى للعبد عنهما، كجناحي الطائر إذا استويا، استوى الطير وتمَّ طيرانه، وإذا نقص أحدهما وقع فيه النقص، وإذا ذهبا صار الطائر في حد الموت؛ ومتى فقد جناحيه, فهو عرضة لكل صائد وكاسر!!
فالخوف والرجاء بالنسبة للمؤمن الحق منهج حياة، فتراه جامعاً بينهما مدة حياته، مغلباً الخوف حال صحته وعافيته، ومغلباً الرجاء حال مرضه وسقمه، فالخوف يحمله على الطاعة، وترك المعصية، والرجاء يحمله على التوبة من الذنب، وإحسان الظن بالرب سبحانه، وهذا هو دأب المؤمنين الصالحين؛ كما أن الخوف شعار الأنبياء، قال الله تبارك وتعالى عنهم: { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (الأنبياء: 90)
ولقد تضافرت النصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية التي تدعو إلى الخوف من الله؛ قال تعالى:{ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأنعام:15]. وقال: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}.( الأنعام: 51). وقال الله عز وجل عن عباده الصالحين: {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا }[الإنسان:10]. وقال عز وجل: {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ}[النور:37]. وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ }[الرعد:21]. لذا فقد جعل الله الخوف منه سبحانه شعبة من شعب الإيمان؛ فقال عز وجل: { إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:175]، فالخوف من الله ثمرة حتمية للإيمان وشعبة من شعبه.
كما حفلت السنة النبوية بالكثير من الأحاديث عن الخوف من الله تعالى. فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ قَالَ:” لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا. قَالَ: فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُجُوهَهُمْ لَهُمْ خَنِينٌ”. (البخاري). ” قوله: لهم خنين. أي: بكاء له صوت فيه غنة”.( فتح الباري)
وَعَن أنس قَالَ: دخل النَّبِي عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ فَقَالَ: «كَيْفَ تجدك؟» قَالَ: أرجو الله يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنِّي أَخَافُ ذُنُوبِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ» «الترمذي وابن ماجة بسند حسن». وعَنْ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ :” إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ ، وَأَسْمَعُ مَا لاَ تَسْمَعُونَ ، إِنَّ السَّمَاءَ أَطَّتْ ، وَحَقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلاَّ وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ ، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً ، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا ، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشَاتِ ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ ، تَجْأَرُونَ إِلَى اللهِ ، وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ.” (الترمذي وابن ماجة وأحمد والطبراني والحاكم وصححه). وعَن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ بَصُرَ بِجَمَاعَةٍ ، فَقَالَ : ” عَلَامَ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ ؟ ” قِيلَ : عَلَى قَبْرٍ يَحْفِرُونَهُ . قَالَ : فَفَزِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَبَدَرَ بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِهِ مُسْرِعًا حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْقَبْرِ ، فَجَثَا عَلَيْهِ ، قَالَ : فَاسْتَقْبَلْتُهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ لِأَنْظُرَ مَا يَصْنَعُ ، فَبَكَى حَتَّى بَلَّ الثَّرَى مِنْ دُمُوعِهِ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا ، قَالَ : ” أَيْ إِخْوَانِي ، لِمِثْلِ الْيَوْمِ فَأَعِدُّوا ” . ( أحمد والطبراني والبيهقي بسند حسن ).
أحبتي في الله: إن مخافة الله عز وجل رأس الأمر، إذ هو شعار أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام، وكذلك هي شعار الصالحين من بعدهم؛ فالخوف باعث قوي على عبادة الله عز وجل، وسبب في البعد عن معاصيه، ورادع في الكف عن شهوات النفس، فإن النفس الأمارة بالسوء لا يردعها إلا قوة خوف من خالقها سبحانه وتعالى.
فالخوف سوط الله يقوم به الشاردين عن بابه، والخوف سراج في القلب به يبصر ما فيه من الخير والشر، ولا يزال الناس على الطريق ما دام معهم الخوف، فإذا زال عنهم الخوف ضلوا، وما فارق الخوف قلباً إلا وخرب، قال حاتم الأصم : لكل شيء زينة، وزينة العبادة الخوف.
العنصر الثاني: الخوف من الله قصص ومواقف وعبر
عباد الله: في الحقيقة هناك صور كثيرة وعديدة للخائفين من الله تحتاج إلى مجلدات ولا تسعفنا هذه الوريقات في هذه الدقائق؛ ولكني أقتصر على بعضٍ منها على سبيل المثال لا الحصر مما يؤدي إلى الغرض المنشود!!
- ونحن نعلم أن أول الخائفين من الله والخاشعين والمتقين هو سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم حيث يقول:” أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ”.(مسلم)
- وهذا أبو بكر الصديق يمر على طيرٍ قد وقع على شجرة فقال: طُوبى لك يا طيرُ تطير فتقع على الشجر ثم تأكل من الثمر ثم تطير ليس عليك حسابٌ ولا عذاب ! ياليتني كُنت مثلك ؛ والله لوددتُ أني كنتُ شجرةً إلى جانتِ الطريق فمر عليَّ بعير فأخذني فأدخلني فاه فلاكني ثم ازدردني ثم أخرجني بعراً ولم أكن بشراً.! وقال عمر: يا ليتني كُنتُ كبشَ أهلي سمنوني ما بدا لهم حتى إذا كنت كأسمن ما يكون زارهم بعض من يحبون فذبحوني لهم فجعلوا بعضي شواء وبعضه قديداً ثم أكلوني ولم أكن بشراً. ! وحفرت الدموع خطين أسودين في وجه الفاروق!! ورُوي عنه أنه قال: “لو نادى منادٍ من السماء: أيها الناس، إنكم داخلون الجنة كلكم إلا رجلاً واحدًا، لخفت أن أكون أنا هو”. ( التخويف من النار لابن رجب). فانظروا لهذا الخليفة الراشد، وقد شهد له النبي بالجنة يقول أنه يخاف ألا يكون من أهل الجنة، فماذا نقول نحن وقد قصرت بنا أعمالنا، وغلبت علينا الذنوب والمعاصي، ونأمل دخول الجنة مع التقصير في العمل ومحبة طول الأمل؟!!
- وكان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على القبر يبكي حتى يَبُلَّ لحيته، ويقول: ” لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيَّتُهما يُؤمر بي، لاخترت أن أكون رمادا قبل أن أعلم إلى أيَّتُهما أصيرُ “!! وأما علي رضي الله عنه فكان يستوحشُ من الدنيا وزهرتِها، ويستأنسُ بالليلِ وظلمتِه، وكان غزيرُ الدمعة، طويلُ الفكرة، ويبكي بكاء الحزين، وكان يقول: آهٍ آه من قِلَّةِ الزاد وبُعْدِ السَّفر ووحْشَةِ الطريق؛ وكان يخرج ذات يوم على أصحابه ويقول: والله! لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلم أر اليوم شيئاً يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً، بين أعينهم أمثال ركب المعزة، قد باتوا لله عز وجل سجداً وقياماً، يراوحون بين جباههم وأقدامهم، تنهمر دموعهم على خدودهم فتبتل منها ثيابهم، فما بال هؤلاء قد أصبحوا غافلين؟!! فما روي ضاحكاً حتى ضربه عبد الرحمن بن ملجم.!!
- وكان تحت عيني سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما مثل الشراك البالي من كثرة الدموع!! وعمران بن حصين رضي الله عنه الذي كان مجاب الدعوة يقول: يا ليتني كنت رماداً تذروه الرياح في يوم عاصف!! وسيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه يقول: لأن أدمع دمعة من خشية الله عز وجل أحب إلي من أن أتصدق بألف دينار!! والصحابي الجليل شداد بن أوس رضي الله عنه كان إذا أوى إلى فراشه لا يستطيع النوم، ويقول: اللهم إن جهنم لا تدعني أنام!! وأبو عبيدة رضي الله عنه يقول: ودِدْتُ أنِّي كنت كبشاً فيذبحُني أهلي فيأكلون لحمي ويشربون مرقي!! ولما حضرت معاذ بن جبل رضي الله عنه الوفاة جعل يبكي، فقيل له: أتبكي وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت وأنت؟ فقال: ما أبكي جزعاً من الموتِ أَنْ حلَّ بي، ولا دنياً تركتُها بعدي، ولكنْ هُمَا القبضتان، قبضةٌ في النار وقبضةٌ في الجنة فلا أدري في أيِّ القبضتينِ أنا؟!!
- ورُوي أن أبا هريرة – رضي الله عنه – بكى في مرضه، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: “أما إني لا أبكي على دنياكم هذه، ولكن أبكي على بُعد سفري، وقِلَّة زادي، وإني أمسيت في صعود على جنة أو نار، لا أدري إلى أيتهما يُؤخذ بي”!!
ونحن والله في أشد الحاجة لمثل هذا الكلام أن نستشعره في قلوبنا، فإذا كان هذا الصحابي الجليل وصاحب رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – والحافظ لكثير من أحاديثه، يقول هذا الكلام، فما نقول نحن وقد قلَّت طاعتنا، وكثرت ذنوبنا، فإلى الله المشتكى من أحوالنا؟!!
- ورُوي أن علي بن الحسين كان إذا توضأ اصفرَّ وتغيَّر، فيقال: مالك؟ فيقول: أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟ فكيف به لو نظر لحال بعضنا الآن وهم داخلون إلى الصلاة في ضحك وسواليف، وانشغال بالدنيا! بل يدخل الواحد منَّا إلى الصلاة ويخرج، ولم يخشع قلبه أو تدمع عينه، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!!
- وهذا عمر بن عبد العزيز تدخل عليه امرأته فاطمة بنت عبد الملك فتراه قابضاً على لحيته يبكي، فتقول له: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟! فيقول لها: يا فاطمة ! لقد وليت من أمر هذه الأمة وفكرت في الفقير الجائع، والمريض الضائع، واليتيم المكسور، والمضروب المقهور، والأرملة، والمسكين، وفي ذي العيال الكثير، وفي غيرهم وأشباههم في أقطار البلاد وأطراف الأرض، وعلمت أن خصمي دونهم هو محمد صلى الله عليه وسلم، فخشيت أن لا تثبت لي حجة بين يدي الله جل وعلا!!
- ويقول مالك بن دينار: والله لقد هممت أن آمر إذا أنا مت أن يطرحوني على مزبلة، وأن يضعوا الرماد على وجهي، ويقال: هذا جزاء من عصى الله. فمن رآني لم يعص ربه. ويقول ومالك بن دينار أيضا: لولا أن تكون بدعة لوضعت التراب على رأسي وقلت: أيها الناس! من رآني فلا يعصي ربه، هذا ذل العاصي في دار الدنيا فكيف في الآخرة؟!! وكان يقول: لو أن لي أعواناً لفرقتهم في منارات الدنيا يصيحون في الناس: النار النار، أي: لا تنسوا النار!!! ويقول: لولا أن تكون بدعة لم أسبق إليها عند الموت، فإنه إذا جاءني الموت لوضعت الغل في عنقي وقلت لهم: اسحبوني وامضوا بي كما يمضى بالعبد الآبق إلى سيده !! ويقول أيضاً: بينا أنا أطوف إذا بجويرية صغيرة تقول: يا رب! أفما كان لك أدب تؤدب به من عصاك إلا النار؟ أي: يا رب! أما اخترت عقوبة وأدباً للذي يعصيك غير النار؟ قال: فما زال هذا مقامها إلى الصباح. قال: فلما رأيت هذا من جويرية صغيرة وضعت يدي على رأسي وقلت: ثكلت مالكاً أمه، أفما كان لك أدب تؤدب به من عصاك إلا النار؟!! وكان يقوم الليل يبكي للعزيز الغفار، وهو قابض على لحيته ويقول: يا رب! يا رب! لقد علمت ساكن الجنة من ساكن النار، ففي أي الدارين منزل مالك بن دينار ؟!
- وهذا الربيع بن خثيم حفر قبراً في منزله، وكان ينزل فيه في اليوم مرات، ويقول: يا ربيع! ها قد خرجت، فاعمل لقبر إن نزلت فيه تقول: رب ارجعون، إلى يوم القيامة ولا يستجاب لك!! وهذا ربعي بن خراش -أحد رواة الكتب الستة- يقسم ألا يراه الله ضاحكاً حتى يعلم أي الدارين داره، يقول غاسله: فلما مات تبسم، ولما كان على المغسلة تبسم، ولما وضعناه في قبره تبسم. وهذه كرامة ثابتة!! وهذا الحسن البصري سيد البكائين وصفوه فقالوا: كان إذا تكلم فكأنه شاهد الآخرة، ثم جاء من الآخرة يخبر الناس عنها. وكان إذا بكى فكأن النار لم تخلق إلا له. وكان يبكي ولما سئل عن سبب بكائه وقيل له: يا أبا سعيد ! ما يبكيك قال: وما يؤمنني أن يكون الله قد اطلع علي في بعض ذنوبي فقال: افعل ما شئت فلا غفرت لك. ويقول: والله! لا يؤمن أحد بهذا القرآن إلا ذبل، وإلا نحل، وإلا تعب، وإلا ذاب. وعندما قال له رجل: كيف حالك يا أبا سعيد ؟! قال: كيف حال قوم ركبوا سفينة فلما توسطوا البحر تكسرت السفينة وتعلق كل منهم بخشبة؟ قال: في حال شديدة. قال: حالي والله! أشد من حال هؤلاء. وكان صائماً فقدم له ماء ليفطر عليه فلما رآه بكى، فقيل له: لم؟ قال: تذكرت أمنية أهل النار، وقولهم لأهل الجنة: {أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ }.[الأعراف:50].!! أما طاووس بن كيسان سيد العباد، وسيد أهل اليمن، وتلميذ سيدنا عبد الله بن عباس كان إذا مر برواس -الرجل الذي يشوي الرءوس- ووجده قد أخرج رأساً مشوياً غشي عليه، ولا يأكل أولا يتعشى تلك الليلة، وكان إذا أتى إلى مضجعه يقول: طير ذكر جهنم نوم العابدين، ثم يستقبل محرابه إلى الصباح!!
- أما سفيان الثوري -أمير المؤمنين في الحديث- فكان عجب عجاب، قال عنه الإمام أحمد : سفيان عندي هو الإمام، كان إذا أخذ في ذكر الآخرة يبول الدم، وكان إذا ذكر الموت لا ينتفع بعلمه أياماً، ويقول: لا أدري، لا أدري. وحمل بوله إلى طبيب في مرضه الأخير فقال: هذا ماء رجل قد أحرق الخوف جوفه، وكان يقول: خفت الله عز وجل خوفاً أعجب كيف ما مت منه، وكان إذا جلس يجلس فزعاً مرعوباً ويقول: اللهم سلم، اللهم سلم. ويقول عبد الرحمن بن مهدي -شيخ الإمام أحمد-: ما صاحبت رجلاً في الناس أرق من سفيان ، كان يقوم من نومه فزعاً مرعوباً ويقول: اللهم إنك عالم بحاجتي غير معلم، وإن حاجة سفيان أن تغفر له ذنبه، اللهم لو كان لي عذر في التخلي عن الناس ما أقمت مع الناس طرفة عين.!! ولما سئل سفيان عن سر بكائه قال: لو أعلم أني أموت على التوحيد ما بكيت، وقال: بكينا على الذنوب زماناً، ونحن الآن نبكي على الإسلام، وقال سهل بن عبد الله التستري : خوف الصديقين من سوء الخاتمة ومن مكر الله عز وجل عند كل خطوة وعند كل حركة، وهم الذين عناهم الله عز وجل بقوله: {وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون:60]، فـسفيان الثوري الإمام المعظم المبرز يقول: بكينا على الذنوب زماناً، ونحن الآن نبكي على الإسلام. يخشى أن يموت على غير الإسلام. وكان يقول لرجل: تعال لنبكي على علم الله فينا، وماذا سبق القضاء لنا في أم الكتاب، أي: في اللوح المحفوظ، أشقي أم سعيد؟ وليس سوء الخاتمة فقط، وإنما يخافون مما سبق في علم الله لهم، أأشقياء أم سعداء؟!!
أيها المسلمون: هكذا كان حالُ صحابةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم مع ما هم عليه من التقوى، وإخلاصِ العمل، والجهادِ بأموالهم وأنفسهم، وفيهم المبشرون بالجنة، كانوا إذا ذُكِرَ الله هملت أعيُنُهم حتى تبتلَّ جيوبهم، ومَادُوا كما يَميدُ الشجرُ يومَ الريحِ العاصف؛ خوفاً من العقاب ورجاءً للثواب؛ فانظروا يا إخوة! لتقفوا على حال قسوة قلوبنا، إننا نسمع كلاماً -ورب الكعبة- يذيب الصخور، ويفتت الرمال، ولكنك تنظر إلى كثير من القلوب وكأن أصحابها ما سمعوا شيئاً عن علام الغيوب، نحن أكلتنا الذنوب ومع ذلك قست وتحجرت قلوبنا؛ وجفت عيوننا؛ وخرست ألسنتنا عن الذكر والدعاء؛ فهلا اقتدينا بهؤلاء الأخيار الأطهار الأبرار ؟!! حتى ننجوا من النار ومن عذاب الواحد القهار !!!
العنصر الثالث: وسائل استشعار الخوف من الله
عباد الله: كلٌ منا يتمنى أن يكون خاشعا لله قانتا له خائفا من عقابه وعذابه؛ فكيف نستشعر الخوف من الله في قلوبنا وحياتنا العملية والعبادية والإيمانية؟! أقول تحصيل ذلك بالوسائل والطرق التالية:
أولاً: العلم ومعرفة الله تعالى: فكلما كان الإنسان عالما عارفا بالله كلما كان أشد خشية له؛ ولذلك قال تعالى: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (فاطر: 28). يقول ابن القيم رحمه الله: “كلما كان العبد بالله أعلم، كان له أخوف. قال ابن مسعود: “كفى بخشية الله علماً” ونقصان الخوف من الله إنما هو لنقصان معرفة العبد به، فأَعرف الناس أخشاهم لله، ومن عرف الله اشتد حياؤه منه وخوفه له وحبه له، وكلما ازداد معرفة ازداد حياءً وخوفاً وحباً”. (طريق الهجرتين) .
انظر إلى الطبيب, يخاف أن يأكل حبة فاكهة من دون غسيل، لأنه يعرف الجراثيم والأمراض والتهاب الأمعاء، يخاف أن يأكل أكلة غير نظيفة، يعرف مضاعفات هذا الطعام، لذلك لا يخاف إلا عالم !!
ثانياً: قراءة القرآن وتدبر معانيه: قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً . وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً . وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} [الاسراء:107-109]، وقال عز وجل: { إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً} [مريم:58]. وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:2]. وهذا هو الرسول الأكرم والمعلم الأعظم يضرب المثل والقدوة في التأثير بالقرآن والتجارب مع آياته الكريمة والخوف والبكاء من خشية الله، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” اقْرَأْ عَلَيَّ؛ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ:{ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا }؛ قَالَ: حَسْبُكَ الْآنَ فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ” (البخاري)؛ أي: يبكي صلى الله عليه وسلم من التأثر بالقرآن والتعايش معه؛ إذ علم أنّه صلى الله عليه وسلم المقصود والمعني بهذه الآية. وعَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ” أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي وَلِجَوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ يَعْنِي يَبْكِي”( أحمد وأبو داود النسائي) ؛ أي: أنّه صلى الله عليه وسلم كان يحدث مثل الهزة عند القراءة لشدة تأثُّره بها، وأزيز المرجل هو صوت الإناء الذي يغلي به الماء!!
وروى أن عمر رضي الله عنه كان يمر بالآية من ورده بالليل فيبكي حتى يسقط على الأرض، ويبقى في البيت يعاد للمرض. وري عنه أنه خرج يَعِسّ المدينة ذات ليلة، فمر بدار رجل من المسلمين، فوافقه قائما يصلي، فوقف يستمع قراءته فقرأ: { والطور } حتى بلغ { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ } قال: قسم -ورب الكعبة-حق. فنزل عن حماره واستند إلى حائط، فمكث مليا، ثم رجع إلى منزله، فمكث شهرا يعوده الناس لا يدرون ما مرضه، رضي الله عنه.”( تفسير ابن كثير ).
فهناك تفاعل مع الآيات تدفعهم دفعاً إلى الخوف من الله والبكاء والتأثر بالقرآن؛ وأنا أسألك – أخي القارئ العزيز – هل بكيت وأنت تقرأ القرآن ذات مرّة؟! هل شعر أحد منكم بلذة القرآن وحلاوته؟! هل دخل أحدكم مرة في صلاة القيام وكان ينوي أن يصلي بربع فإذا به لا يستطيع مقاومة حلاوة القرآن فقرأ أكثر من ذلك واستمتع بالقرآن ومناجاة الرحمن؟!
ثالثاً: تعظيم الحرمات: لأن أمرها جاء من الله، { ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ } (الحج: 30)، فقبل أن يقدم العبد على معصية أو انتهاك حرمات الله لابد أن يستشعر عظمة هذه الحرمات عند الله؛ فيدفعه الخوف من الله إلى عدم انتهاك هذه الحرمات؛ وإذا كان الفرد يقدس الأوامر البشرية والعسكرية ولا تسول له نفسه أن يقصر فيها ، فمن باب أولى أن يعظم الأوامر الإلهية لكونها صادرة من عظيم، كما قال قتادة: عَظِّموا ما عظم الله، فإنما تُعَظم الأمور بما عظمها الله به عند أهل الفهم وأهل العقل.
رابعاً: تدبر أحوال الخائفين الوجلين: ومطالعة سيرهم وأحوالهم وكيف وصلوا إلى هذه المنزلة بالإيمان والعمل الصالح، وقيام الليل، وصيام النهار، والبكاء من خشية الله؟!! قال الغزالي رحمه الله: “معرفة سير الأنبياء والصحابة فيها التخويف والتحذير، وهو سبب لإثارة الخوف من الله، فإن لم يؤثر في الحال أثر في المآل”. (إحياء علوم الدين). ويقول ابن الجوزي:” عليكم بملاحظة سير السلف، ومطالعة تصانيفهم وأخبارهم، فالاستكثار من مطالعة كتبهم رؤية لهم.” . إلى أن قال: ” فاستفدت بالنظر فيها من ملاحظة سير القوم، وقدر هممهم، وحفظهم وعباداتهم، وغرائب علومهم: ما لا يعرفه من لم يطالع، فصرت أستزري ما الناس فيه، وأحتقر همم الطلاب.” (صيد الخاطر)
خامساً: سماع المواعظ المؤثرة والمحاضرات المرققة للقلب: فالنفس إذا أطلقت في ملذات الدنيا وشهواتها جعلت القلب قاسيا؛ وفي هذه الحال يحتاج إلى مواعظ مؤثرة مرققة له؛ وهذا ما سلكه الرسول – صلى الله عليه وسلم – مع صحابته الكرام؛ فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه ـ وهو أحد البكّائين ـ قال: “وَعَظَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظةً بليغةً ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب” (أبو داود وابن ماجة والترمذي وصححه). فكثرة المواعظ والدروس والخطب والمحاضرات الدينية تملأ القلب خشية وإخباتا إلى الله تعالى؛ فعَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ قَالَ:” لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قَالَ قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ. قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا تَقُولُ؟! قَالَ قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا. فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ”( مسلم)، فالصحابة – رضي الله عنهم – كلما جلسوا للعلم ومدارسة القرآن والعبادة ازداد إيمانهم وخوفهم من الله؛ وكذلك كلما خلا المسلم بربه واجتهد في العبادة بعيدا عن الدنيا وشهواتها كلما ازداد إيمانه بالله تعالى !!
سادساً: كثرة ذكر الله والدار الآخرة: فكثرة الذكر تبعث على استحضار جلال الله وعظمته ومراقبته ومحبته والحياء منه، وكل ذلك يبعث على خشيته والخوف منه ومن عذابه ومن حرمانه؛ ومن استقر في قلبه ذكر الدار الآخرة وثوابها، وذكر المعصية والتوعد عليها، وعدم الوثوق بإتيانه بالتوبة النصوح: هاج في قلبه من الخوف ما لا يملكه ولا يفارقه حتى ينجو في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ} [هود:103].
هذه هي الوسائل والطرق الموصلة إلى خشية الله والخوف منه فالزموها واعملوا بها قبل أن يفوتكم القطار وقبل أن تندموا ولا ينفع الندم !!
العنصر الرابع: ثمرات الخوف من الله
عباد الله: اعلموا – يرحمكم الله – أن الخوف من الله له ثمرات وفوائد في الدنيا والآخرة منها:
الفوز بمغفرة الله تعالى: فكلما استشعر الإنسان الخوف من الله وعذابه؛ ولام نفسه على ما قصرت في حق الله؛ وخاف لقاء الله كلما كان ذلك أدعى للفوز بمغفرة الله تعالى؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” أسرف رجلٌ على نفسِه؛ فلما حضره الموتُ أوصى بنيه فقال : إذا أنا متُّ فأحرِقوني . ثم اسحقوني . ثم اذروني في الريحِ في البحرِ . فواللهِ ! لئن قدر عليّ ربي ، ليعذبني عذابًا ما عذبه به أحدٌ . قال: ففعلوا ذلك به . فقال للأرضِ : أدي ما أخذتِ . فإذا هو قائمٌ . فقال له : ما حملك على ما صنعتَ ؟ فقال : خشيتُك يا ربِّ ! – أو قال – مخافتُك . فغفر له بذلك”.( البخاري ومسلم)
ومنها: أن الخوف من الله من أسبابِ التمكينِ في الأرض: قال تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ }.[إبراهيم:14].
ومنها: أن الخوف من الله يبعث على العمل الصالح الخالص: فكلما استشعر الإنسان عظمة الله ومراقبته له وأدركه الخوف من عقابه كلما أقبل على العمل الصالح. قال تعالى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا }(الإنسان: 9 ؛ 10 )، وقال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}(النور: 36 ؛ 37).
ومنها: أن الخائف من الله يُؤمِّنُه الله يوم القيامة: فعن أبي هريرة؛ عن النَّبيِّ عليه السلام يَروي عن ربِّه جلَّ وعلا قال:” وعزَّتي لا أجمَعُ على عبدي خوفَيْنِ وأمنَيْنِ؛ إذا خافني في الدُّنيا أمَّنْتُه يومَ القيامةِ؛ وإذا أمِنَني في الدُّنيا أخَفْتُه يومَ القيامةِ”(ابن حبان والبيهقي بسند حسن)
ومنها: أن الخائف من الله يستظل بظل عرش الرحمن يوم القيامة: فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث السبعة الذين يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله: “… وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ……….وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ” ( متفق عليه من حديث أبي هريرة ) ، والعين التي بكت من خشية الله إحدى العينين اللتين لا تمسهما النار.
ومنها: أنَّ الخوفَ من الله طريقٌ للفوز بالجنة والنجاة من النار: قال الله تبارك وتعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}. [النازعات:40-41]. فالعبد عندما يعلم باطلاع الله تبارك وتعالى عليه فإنه يعظم هذا المقام، فيترك الذنب -وقد أمكنه فعله- خوفاً من الله عز وجل، فيعوضه الله الجنة؛ قال الله تبارك وتعالى: { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}. [الرحمن: 46]. يصف النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هاتين الجنتين فيقول: ” جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا؛ وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا ؛ وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ”. (متفق عليه)؛ وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ؛ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ؛ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ”.( الترمذي والبيهقي والحاكم وصححه)؛ وعَنْ أَنَسٍ؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ:” أَخْرِجُوا مِنْ النَّارِ مَنْ ذَكَرَنِي يَوْمًا أَوْ خَافَنِي فِي مَقَامٍ”. (الترمذي والبيهقي والحاكم وصححه)؛ وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، قال: قالَ رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «لا َيَلِجُ النَّارَ رَجْلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّه حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ في الضَّرْع، وَلا يَجْتَمعُ غُبَارٌ في سَبِيلِ اللَّه ودُخانُ جَهَنَّمَ» (الترمذي والنسائي).
ومنها: أن الخوف من الله يوصل العبد إلى رضا الله عنه: قال تعالى: {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ. [البينة: 8]. فإذا أردت أن يكون الله عنك راضياً فعليك بخشيته والخوف منه.
ومنها: أن الخوف من الله سببٌ للنجاةِ من كلِّ سوء: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” ثلاث منجياتٌ: خشيةُ الله تعالى في السر والعلانية، والعدلُ في الرضا والغضب، والقصدُ في الفقر والغني”.( البزار والبيهقي والطبراني وحسنه المنذري بمجموع طرقه). فإذا خفت الله نجاك من كل مكروه وسوء !!
العنصر الخامس: الخوف من الله في حياتنا المعاصرة بيت الواقع والمأمول
عباد الله: إن من ينظر إلى واقعنا المعاصر يجد أن الخوف من الله يكاد يكون منعدماً – إلا من رحم الله – ويدل على ذلك المجاهرة بالمعاصي والذنوب؛ وانتشار الكبائر والموبقات والمحرمات عيانا بينا دون وازع من دين أو خلق أو ضمير ؛ وكل ذلك يعدونه لا شئ؛ بل أقل من الصغائر؛ وهذا من فعل الفُجَّار؛ فعن عبد الله بن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:” إن المُؤمنَ يَرى ذَنبَهُ كأنَّهُ في أصل جَبَل يَخافُ أن يَقَعَ عَليه؛ وإنّ الفاجرَ يَرى ذُنوبَهُ كَذُباب وَقَعَ عَلى أنفه فقال لَهُ هكذا “( الترمذي وأحمد والبخاري موقوفاً علي ابن مسعود ). وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:” إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالًا هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنْ الشَّعَرِ إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُوبِقَاتِ؛ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ : يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُهْلِكَاتِ”(البخاري). قلت: هذا في عصر أنس فكيف لو رأى زماننا هذا ؟!!
أين نحن من الصحابة الذين كانوا أحرص الناس على العمل الصالح ومع ذلك كانوا أخوف الناس من عدم قبوله عند الله؟!! فَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: { وَالَّذِينَ يُؤْتونَ مَا آتوا وقُلوبُهم وَجِلَةٌ }أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟! قَالَ: «لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ» . (أحمد والترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي). فهم يعملون الطاعات ويخافون!! ونحن نبارز الله بالمعاصي والفسق والفجور والعري ونتباهى بذلك تحت ستار الرقي والتحضر والتمدن ولا نخاف الله!!!
أيها المسلمون: إن القاتل لو استشعر عظمة الله وخشيته والخوف منه ومن عقابه ما تجرأ على قتل النفس البريئة بغير ذنب ارتكبته!!!
والسارق لو استشعر عظمة الله وخشيته والخوف منه ومن عقابه ما تجرأ على السرقة!!! والزاني لو استشعر عظمة الله وخشيته والخوف منه ومن عقابه ما تجرأ على الزنا !!! وشارب الخمر لو استشعر عظمة الله وخشيته والخوف منه ومن عقابه ما تجرأ على شربه!! والهارب من العمل لو استشعر عظمة الله وخشيته والخوف منه ومن عقابه لأتقن عمله!! والذي فجر نفسه لو استشعر عظمة الله وخشيته والخوف منه ومن عقابه ما أودى بحياته إلى الجحيم!! وهلم جرا
أحبتي الله: علينا أن نتأسى بسلفنا الصالح في فضيلة الخوف من الله في السر والعلانية؛ في الخلوات والجلوات؛ انظروا إلى الفتيات اللائي تربين على الفضيلة والخوف من الله ومراقبته وإلى فتيات عصرنا ؟!! “فعن أسلم قال :كنت مع عمر بن الخطاب وهو يعس المدينة إذ أعيا فاتكأ على جانب جدار في جوف الليل، فإذا امرأة تقول لابنتها: يا ابنتاه، قومي إلى ذلك اللبن، فامذقيه بالماء، فقالت: يا أَمتاه، وما علمت ما كان من عزمة أمير المؤمنين؟ فقالت: وما كان من عزمته يا بنية؟ قالت: لقد أمر منادياً، فنادى ألا يشاب اللبن بالماء. فقالت لها :يا ابنتاه، قومي إلى اللبن فامذقيه بالماء، فإنك في موضع لا يراك عمر ولا منادي عمر، فقالت الصبية لأمها: يا أمتاه والله ما كنت لأطيعه في الملأ واعصيه في الخلاء. وعمر يسمع كل ذلك، فقال: يا أسلم، عَلٍّم الباب، واعرف الموضع، ثم مضى في عسسه، فلما أصبح قال: يا أسلم، امض إلى الموضع، فانظر من القائلة، ومن المقول لها؟ وهل لهم من بعل؟ فأتيت الموضع، فنظرت، فإذا الجارية أيم لا بعل لها، وإذا تيك المرأة ليس لها بعل، فأتيت عمر وأخبرته، فدعا عمر ولده فجمعهم، فقال: هل فيكم من يحتاج إلى زوجة؟ فقال عبد الله: لي زوجة، وقال عبد الرحمن: لي زوجة، وقال عاصم: يا أبتاه، لا زوجة لي، زوجني. فبعث إلى الجارية، فزوجها من عاصم، فولدت لعاصم بنتاً، وولدت الابنة عمر بن العزيز ، رحمة الله عليهم أجمعين.”(الحلية لأبي نعيم)؛ هذه رسالة لكل التجار والبائعين والغشاشين والمحتكرين!!
وهذه صورة أخرى مشرقة حدثت مع ابن عمر حينما وضع اختباراً للرعية ومدى خوفهم من الله ومراقبتهم له!! فقد ” مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِرَاعِي غَنَمٍ, فَقَالَ: يَا رَاعِيَ الْغَنَمِ هَلْ مِنْ جَزْرَةٍ ؟ (الشاة التي تُذبح كالجزور من الإبل) قَالَ الرَّاعِي: لَيْسَ هَا هُنَا رَبُّهَا, فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: تَقُولُ: أَكَلَهَا الذِّئْبُ , فَرَفَعُ الرَّاعِي رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ, ثُمَّ قَالَ: فَأَيْنَ اللَّهُ ؟ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَأَنَا وَاللَّهِ أَحَقُّ أَنْ أَقُولَ : فَأَيْنَ اللَّهُ ؟ فَاشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ الرَّاعِي وَاشْتَرَى الْغَنَمَ, فَأَعْتَقَهُ وَأَعْطَاهُ الْغَنَمَ “.( مجمع الزوائد) وزيد في رواية: أعتقت هذه الكلمة في الدنيا، وأرجو الله أن يعتقك بها يوم القيامة. فهذا الراعي لو في زماننا هذا لقال: هات ثمن عشر شياة وأقول لسيدي الذئب أكلها !! أو أتصرف بمعرفتي فهذه مهنتي !!
أيها المسلمون: ما أسهل انتهاك الحرمات في هذا الزمان !! وما أجرأ الشباب والفتيات على ارتكاب المعاصي والموبقات!! فقد مات عندهم الخوف من الله ومراقبته!! وكل ذلك زوال لحسناتهم مهما عملوا !! فانتهاك هذه الحرمات زوال لكل حسناتك ولو كانت كالجبال!! فَعَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا ، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ ، وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ ، قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللهِ انْتَهَكُوهَا.( ابن ماجة بسند صحيح)
عباد الله: عليكم بمخافة الله في السر والعلن؛ في القول والفعل؛ في العبادة والطاعة؛ إن فعلتم ذلك أخاف الله منكم كل شيء؛ فعن عمر بن عبدالعزيز، قال: “مَن خاف الله، أخاف الله منه كل شيء، ومن لم يخف الله، خاف من كل شيء”. وإليكم هذه القصة التي تؤيد هذا الكلام؛ فهذا عز الدين بن عبد السلام كان يقول لـنجم الدين ملك مصر: يا نجم الدين ! الخمر تباع في الحانة الفلانية، فقال: هذا كان في أيام أبي، فقال له: أنت ممن يقول الله فيهم: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}. [الزخرف:23]، فيقولون له: أما خفت نجم الدين أيوب ملك مصر؟!! فيقول: تذكرت هيبة الله عز وجل فصار كالقط أمامي!! ويروى أن الملك العادل ملك مصر كان إذا دخل عليه عبد الغني المقدسي -وكان إماماً عظيماً من أئمة الحديث- يقوم له الملك مرتعداً، فيقولون له: هذا رجل صاحب قرآن وصاحب حديث فلماذا تخاف منه هكذا؟! فيقول: والله! ما دخل علي مرة إلا وخيل إلي أنه سبع!!
هكذا زرع الخوف من الله فيهم القوة في الحق؛ والشجاعة في الحديث؛ واستصغار كل شيء أماهم سوى الله عز وجل!! فهلا طبقنا هذه المعاني في عصرنا هذا حتى نلحق بهم؟!! فكلما زاد خوف العبد من ربِّه، زاد عمله، وقل عُجْبه، وقلت معصيته، وكلما قلَّ خوف العبد من ربِّه، نقص عمله، وزاد عجبه، وكثرت معصيته.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، اللهم اجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
الدعاء،،،، وأقم الصلاة،،،،
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
جزاك الله خيرا علي هذه الخطبة الجامعة النافعة لعل الناس يخافون تبارك وتعالي.